تــــــراث الملحــــــون
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تــــــراث الملحــــــون

منتـــــــدى يهتــم بفـــــن الملحــــــــون
 
الرئيسيةالتسجيلأحدث الصوردخول

 

 قصيدة: "بَــــــــلّارْجْ"* نظم: الشيخ أحمد بدناوي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 27/01/2008
العمر : 124

قصيدة: "بَــــــــلّارْجْ"*  نظم: الشيخ أحمد بدناوي Empty
مُساهمةموضوع: قصيدة: "بَــــــــلّارْجْ"* نظم: الشيخ أحمد بدناوي   قصيدة: "بَــــــــلّارْجْ"*  نظم: الشيخ أحمد بدناوي Icon_minitimeالسبت 21 مايو 2016 - 1:03

قصيدة: "بَــــــــلّارْجْ"*
نظم: الشيخ أحمد بدناوي(1)
امرمت المبيت الرباعي اقياس: دام الله الحسان

اللازمـــة:
بَــلاّرْجْ قالـُـوا طـَـارْ * وَهْجَــرْ قلــعَـــة مَهْجُــورَة *
هَارَبْ مَـنْ حَـرّ الصّْهُـودْ قاصَدْ حَـرْمَـتْ الَعْلـُوجْ(2) * وَرْجُـوعُــه فالشّـتـْوَة(3)

القســم الأول:

دَارْ مْقـامُـــه فسْـــوَارْ* بِيـنْ صْقـَايـَـلْ وَقـصُـورَا(4) *
وَلـْقَـى فَالجَّامُــورْ غايـْتـُـه وَاعـْــلَا عَــلّْ لبْــرُوجْ(5) * وَتْــوَلّــــى بَالـنّـخْـــــوَة
بَعْــدْ الجّـولـَة فَـقـطارْ* اْرْضْ الله المَـعْـمُـــــــــورَة *
بِيـنْ الشَّمَالْ مْعَ الجْـنـُـوبْ وَسْـرَابُـه مُـوجْ فـْمـُــوجْ * مَابِيـــنْ فـْضَــا وَهـْـــوَا
زَايَــرْ لْكـُــلّْ مْـــزَارْ * مَايَـعْـبَـا بَالمَـحْـضـُــــــورَة *
عَالـِـي بَجْـنَــاحُـه وُلَا ارْضَـى يَـتـْدَلــَّى مَـعْـنـُـوجْ(6) * أَوْ يِـهُـــونْ اْويَـهْــــوَى
نَاجِـيـتـُـه يَا حَـضّــارْ * مَــنْ الّعْـمَــاقْ المَقـْهُـــورَة *
شَايَــقْ للتّحْـلِيـــقْ قـلـْـتْ لـُه وَنْطِيـرْ مْــعَ الفـُــــوجْ * تَابـَـعْ صُـوتْ النـَّجْــوَى

القســم الثاني:

صَـاغْ جْــوَابِي فالحَـالْ * فعْـبِيــرْ نْسَامْ زْكِــيـَـة
قَـالْ أعَاشَــقْ المْـعَـــالْ * وَمْقــامَــاتْ الصُّوفِـيَة
مُــرَادَكْ فـَـالمُـحـَـــــالْ * لكِــنْ اصْغـَـى لوصِيَة

عَـلِّ عَــنْ كـُلّْ افْكـَارْ * مَحْـصُـورَة فَالمَسْطـُورَة(7) *
وَالجَاهَــزْ فَـعْـقـُولْ مَا لهَـــا عَـلّْ لكـْتـَابْ خْــــرُوجْ * وَلـــوْ جَــــا بَـالـهَـفْـــوَة
عَـــلِّ وَاتْـبَـعْ لـَطْـيَــارْ* وَنْـظرْ لوحَة مَقْـصُـورَة(Cool *
عَـلّْ لقْـلـُوبْ العَاشْـقـَـة جْـمَـالْ الفَـنّْ المَـنْـسُــوجْ(9) * عَـلّْ لخْـيَــالْ وُالـَهْـــوَى
وَنْشَــدْ مَـنْ كـُلّْ شْعَارْ * فَاقَــتْ بَجْـمَـالْ الصُّـــورَة *
عَـلّْ لعْـيُـونْ الوَاصْفَـة بْسَحْــرْ اللّحْـظ المَغْـنُـوجْ(10) * وَالتِّـيـهَــة وَالسَّـهْــــــوَة

القســم الثالث:

حَـلَّـقْــتْ بْــلَا جَـنْحَــانْ * تَابَــعْ َلحْكـَمْتْ اقْـوَاله
بِيــنْ رْفَاقـِـي نَـشْـــوَانْ * نَاسِي لوطَا وَغْلَاله(11)

شَايَــقْ تَايـَــهْ لهْـفَــــانْ * لشْمَالْ الغَرْبْ نْطَاله(12)

عَـدِّيـنَــا عَـلّْ لـبْـحَــارْ* صَارَتْ رُوحِي مَبْهُورَة(13) *
بَجْــلَالْ المَشْهُــودْ مَــنْ جْـبَالْ المُــوجْ وُاللّجُـوجْ(14) * وَالْـوَهْـجَة وَالـنُّـــوَة(15)
رَكبْـنَا عَـلّْ لمْـصَارْ(16)* فُـوقْ السَّطحَــانْ حْـمُـورَة *
حَـرْجَــتْ بَلّعْـمَانْ فِــي بْطـَاحْ مْجَالِــي وَمْــرُوجْ(17) * وَتْـذَكـَّــرْتْ العَــدْوَة(18)
حَـطِّـِّينَــا عَــلّْ لمْـنَـارْ(19)* وَفْـهَـــمْ قَصْــدِي فَالــزُّورَة *
وَصْــرَخْ فُــوقْ" شْبِيلـْـيَا" وُبَنْـوَاقَــسْ كَالمَـزْعُـوجْ * فَـيَّـقْـنِي مَــنْ غَـفْــوَة(20)

القســم الرابع:

طَـرْنَا مَنْ غِيرْ عْــوِيـنْ * فَحْـضَانْ الجَـوّْ العَالِي
وَنْزَلْـنَا قـَصْرْ حْـصِـيـنْ * شَامَــخْ مَابِيــنْ جْبَالِي
بَـيَّـتْـنَـــا فِـيـهْ لحِـيــــــنْ * مَـوْعِــدْ اليُـومْ التـَّالِي

قَــامْ الـرِّيَّــاسْ وُسَــارْ* قـَايَــدْ سَــرْبَـة مَخْـبُـورَة(21) *
كُـلَّا فَمْقَـــامُـه عْـلَى الرّْضَى لَا وَاحَـــدْ مَـفْـلـُـــــوجْ * يـَتْـعَـلّـــى بَـالسَّـطـْـــوَة
مَنْ بَعْــدْ مْسِيــرْ نْهَـارْ* جَــــابْ الرِّيَــاسْ الـــدُّورَة *
وَخْـفَـضْ بَجْـنَـاحُــه "اللّالزَاسْ" نْـزَلهَــا مَــــدْرُوجْ * وَلَا فَـايـَــتْ خَـطـْــــوَة
حَـطـِّيـنَـا فـُـوقْ دْيَــارْ* وَبْــدَا تَـرْتِـيـــبْ الجُّــــورَة *
كُــلّا طِيــرْ اخْـتَـــارْ عَـشّـتُـه وَالـزُّوجَـــة وَالــزُّوجْ * فـُـوقْ مْـنَابـَـرْ شَهْــــوَة
وَاطـْـفِينَا صَهْـــدْ النَّارْ* بَعْــدَنْ كَانَــتْ مَـسْـعُـــورَة *
مَــنْ صِيــفْ الحَمْرَة الگايْـلة فَالحُـوزْ المُوهُـوجْ(22) * بِـيــنْ النـّْخِـيــلْ ضْـــوَا
وَنْسِيــنَــا كـُـلّْ غْـيَـارْ * بِيــنْ بْسَــاتَـــنْ مَبْــشُــورَة *
وَمْرُوجْ اْووِيـــدَانْ جَارْيـَـة بِـيـــنْ جْـبـَــالْ تْــــرُوجْ * مَــاهَـــا للـقَـلـْـــبْ ادْوَا
وَشْفِـيـنَـا كـُـلّْ ضْرَا رْ* لـَكِــنِّــــي بَـعْـــدْ شْـهُـــورَا *
جَــانَــا رِيــحْ نْـدِيــرْ بَالنـّْــدَى وَالجَــــوّْ المَـثـْـلـُــوجْ * قـَـــامْ الـــرِّيَّـــاسْ ادْوَا
قَالْ أَ سَــرْبَتْ لحْــرَارْ* هَــذَا وَعْـــــدْ المَقـْـــــدُورَة *
نَــادَانَا بَـشَّـــارْ للـرّْحِيــــلْ لـبْـهَـجْـــتْ الـبْـهُــوجْ(23) * هِـــيَّ نَـعـْــمْ المَــــأوَى
طـَعْـتْ كـْلَامُه بَـتَّارْ(24)* رُوحِـي خَـلـْفـُه مَجْـــرُورَة *
لشْـمُــوسْ بْـلَادِي الغَامْــرَة الـشِّـعَـــابْ وُالفْـجُــــوجْ * وَالبَطْحَـــة وَالرَّبْـــــوَة
يَـارَاوِي صِيغْ دْرَارْ(25)* مَنْ عُـقْـيَانْ الاْسْـطـُورَة(26) *
قَـالْ البَـدْنَـاوِي عْـلَى الهْــوَى مَخْـيَـالـُه مَـنْـهُـوجْ(27) * دَايـَـمْ فُـوقْ الصَّهْـوَة(28)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القـــامــــوس:
* بلارج: طائر اللقلاق.
1ــ الشيخ أحمد بدناوي، واحد من شيوخ السجية المعاصرين، وتطلق صفة شيخ السجية في المغرب على شاعر الملحون الذي يكتب القصيدة، والشيخ أحمد من مواليد مدينة مراكش، وتلقى تعليمه بها داخل مدارسها وجامعاتها، ولازال يعيش بنفس المدينة إلى اليوم، إضافة إلى كونه شاعر، فهو أيضا عازف موسيقي من الوزن الثقيل، يعزف على كل الآلات تقريبا، مما يجعله من الشيوخ المتميزين أيضا في إنشاد قصائد الملحون الذي نجده عالما بلغته وطرق نظمه وبحوره وكل ما يتعلق بهذا الفن المغربي الأصيل، فاعل جمعوي، هو الآن رئيس جمعية المرحوم الشيخ محمد بوستة لفن الملحون.
2ــ حرمت لعلوج: بلاد الأعاجم الغير مسلمين والغير الناطقين باللغة العربية/ 3ــ الشتوة: فصل الشتاء/ 4ــ اصقايل: ج صقالة، وهي برج يكون قرب البحر يخرج الماء من أسفله/ 5ــ الجامور: كراة من النحاس توضع أعلى الصومعة/ 6ــ معنوج: ذليل مهان/ 7ــ المسطورة: الأوراق المكتوبة، وهي إشارة إلى الكتب/ 8ــ مقصورة: المحجوبة عن الرؤية/ 9ــ المنسوج: المصطنع/ 10ــ المغنوج: صفة للعيون، من الغنج/ 11ــ لوطا: الأرض المنبسطة/ 12ــ الغرب: المغرب/ انطاله: أي أصل إليه/ 13ــ مبهورة: أي منبهرة/ 14ــ بجلال: بعظمة/ المشهود: المشاهد/ 15ــ الوهجة: الحرارة/ النوة: البرودة والعاصفة المطرية/ 16ــ ركبنا: نظرنا من مرتفع/ 17ــ بلعمان: نوع من الأزهار أحمر قان/ 18ــ العدوة: لإشارة هنا إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، إسبانيا، ما كان يسمى الأندلس/ 19ــ المنار: جمع منارة وهي الصومعة/ 20ــ فيقني: أيقظني/ 21ــ مخبورة: خبيرة في مثل هذه الأمور/ 22ــ الحوز: أحواز مراكش وورائها الخلفي/ 23ــ بهجت لبهوج: مدينة مراكش/ 24ــ بتار: سريع/ 25ــ درار: أي جواهر/ 26ــ عقيان: العقيق النفيس، الجواهر/ 27ــ منهوج: متبع/ 28ــ الصهوة: ظهر الفرس، إشارة إلى أنه منتصر دائما.

النفس الصوفي في قصيدة "بلارج"
للشيخ أحمد بدناوي

عنوان النص يحمل اسم طائر بصفات ومواصفات خاصة، إنه "بلاج"، أي "اللقلاق"، وهو طائر من عجائبه أنه لا يعيش إلا في القمم الشاهقة العالية، مبتعدا عن السفوح والأراضي المنبسطة، ويختار أماكن وضع أعشاشه فوق المنارات والأبراج والأسوار المرتفعة وغيرها، حيث يبدو في موقعه السلطوي كملك يقتعد عرشه مطلا على رعيته من علٍ، هذا إضافة إلى جماله وبهائه من حيث الشكل، وكذلك فهو طائر غير مستقر، يهاجر كثيرا ويجول بين بقاع العالم في البحث عن الدفئ هروبا من الحر والقر.
ولا نجد في الشعر الملحون قصائد تحمل نفس الإسم، ولو أن العديد منها تحمل أسماء طيور مثل قصيدة (أيلال وأيلالة) للشيخ الصديق الصويري، أو قصيدة (الطرشون) للشيخ ابن علي، أو قصيدة (الطير) للشيخ الجيلالي امتيرد، وهذه القصائد جميعها وغيرها لها أهداف وغايات بعيدة عن أهداف قصيدة "بلارج" للشيخ أحمد بدناوي.
والطائر عند الصوفية يرمز إلى الحياة والبعث، وذلك انطلاقا من قوله تعالى: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كيْفَ تُحْيِي المَوْتَى قالَ أَوَ لمْ تُومِنْ قَالَ بَلى ولكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَة مِنَ الطيْرِ فَصُرْهُنَّ إليْكَ ثم اجْعَلْ عَلى كلِّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءً ثم ادْعُهُنَّ يَأتِنَكَ سَعْيَا" البقرة آية 260، ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم: "إِنِّي أَخْلُقُ لَكمْ مِنَ الطّينِ كهَيْئةِ الطيْرِ فَاَنْفُخُ فِيهِ فَيَكونُ طَيْرا بُإِذْنِ الله" آل عمران آية 49، فما علاقة كل هذا بقصيدة "بلارج" لأحمد بدناوي؟
ننطلق في هذه القراءة من البناء النسقي للقصيدة، حيث تدرج بدناوي في بنائها من حالة شعرية/نفسية إلى أخرى، مجسدا تطور الأحداث والقضايا المطروحة على مستوى النص بشكل منظم بعيدا عن الفوضى، مما يكشف نضج فكره ووضوح أهدافه ودقة تصوراته عن الوجود.
فبالنسبة للوحدة الأولى، نجد الشاعر يَجِدُّ في وصف (بلارج) وحياته، فهو الطائر الذي يختار دائما الأماكن الشاهقة قصد أن يعيش فيها ويبني أعشاشه ويتوالد، كل ذلك في حرية وانطلاق جعلت الشاعر يغير منه ويطلب أن يطير معه ليحيا نفس حياته، حياة الحرية والانطلاق والصفاء والشموخ، مرتفعا عن الواقع المتردي الذي يعيش فيه.
أما الوحدة الثانية، فتدور حول جواب (بلارج) للشاعر، والذي أكد له فيه على أن تحليقه معهم رغم أنه ضرب من المستحيل، إلا أنه يصبح ممكنا إن كان حسب اعتقاد السالكين، هؤلاء يرون أن التحليق بالروح نحو المعالي والمعرفة الحقة شيء ممكن، وذلك بأن يسعى الفرد إلى السعي نحو مقامات الصوفية أصحاب الإشراقات الربانية، الذين يقولون عن مذهبهم في الوصول إلى المعرفة: "أنتم تأخذون علمكم ميتا عن ميت، ونحن نأخذ علمنا عن الحي الذي لا يموت"، إنهم يجدون المعارف المأخوذة من الكتب كلها تتضمن معرفة نسبية، ومع ذلك يبقى الإنسان مرتبطا بها حتى ولو ثبت أنها مجانبة للصواب، الشيء الذي يجعل الإنسان العادي مغرما بالجمال المصطنع، بعيدا عن معرفة جوهر الأشياء، متعلقا بالحقائق النسبية، وفي ذلك يقول بدناوي:
عَلِّ عنْ كلّْ أفكارْ * محصورة فالمسطورة *
والجاهز فعقول مَا لهَا عَلّْ لكتابْ خْرُوجْ * ولوْ جَـا بالهفْوَة
وفي الوحدة الثالثة، يحلق الشاعر مع الطيور (بلارج)، ولكن بروحه فقط، أي في لحظة إشراقة صوفية، يرى أنه محلق بين أسراب هذه الطيور، محررا نفسه من قيود وأغلال الواقع الذي يعيشه في الأرض، هذه الأرض المجهضة للأحلام، القامعة للطموحات، القاتلة للحظات الانطلاق، مما جعله ينبهر من جمال حقائق يراها أول مرة، الأرض غير الأرض، والجمال غير الجمال، فتذكر أن عليه زيارة عدوة الأندلس، وعندما دخلها، نزل فوق منارة من مناراتها، وبدأ يستعرض زمان أيام عز المسلمين والحضارة العربية الراقية التي كانت في هذه الديار، ومر بشريط أحداث حضارة عظيمة دامت هناك حوالي تسعة قرون، ولم يوقظه من هذا الحلم سوى صوت أجراس الكنائس التي ردته للواقع، مذكرة إياه أن من يتذكر عظمتهم تم إخراجهم من هذه البقاع منذ زمن طويل، ولم يبق من تواجدهم هناك إلا الذكريات.
وفي القسم الرابع والأخير، يستمر الشاعر في رحلته الخيالية من قطر إلى قطر، لا يرى إلا الجمال الحق، ولا يحس إلا الرفقة الطيبة المنظمة، حيث لا يجد بين رفقائه حاسد ولا حاقد ولا نصاب ولا مدعي، هناك رئيس محافظ على النظام، والكل يسمع لكلامه، ولا أحد يتعالى على أحد بأنانية، ولا يدعى عليه بجهل، وبعد هذه الرحلة التي تحققت فيها كل المآرب، يشير الشاعر أحمد بدناوي أن هذا النظم ما هو إلا أسطورة من صنع خياله الواسع، يسطر من خلالها منهجا وسبيلا يجب على مجتمعه أن يتبعه إن أراد أن يعيش في سلم ورخاء.
أما على مستوى الشكل، فقد نظم الشاعر قصيدته على (امرمت)(1) المبيت الرباعي(2)، اقياس(3) قصيدة دام الله الحسان للشيخ الجيلالي امتيرد(4)، وتتكون من أربعة أقسام كل قسم تتصدره (سويرحات)(5) باستثناء القسم الأول الذي يطلق عليه شيوخ الملحون (الدخول)، وكل (اسويرحة) تتشكل من ثلاثة أبيات بشطرين، وباقي أبيات القسم ثلاثة أبيات تختلف عن أبيات (السويرحات) من حيث الوزن والقافية، على عادة شيوخ الملحون المغاربة، وتمثل الشيخ أحمد للشيخ الجيلالي امتيرد، يأتي في معرض أن امتيرد كان شاعر الحكمة أيضا، وأنه كان لا يطيل في قصائده، وعندما سئل عن ذلك أجاب قائلا: "...حتى إذا لم تعجب الناس لا يملونها..."، وكذلك الأمر بالنسبة للشيخ أحمد بدناوي الشيخ المعجب بامتيرد.
والخلاصة تُمثل القصيدة تجربة صوفية لاشعورية ورحلة تُوجت بالاتصال بالحقيقة التي يبحث عنها الشاعر ويجري خلفها دائما، على غرار ما نجد عند المتصوفة من خلال أقوالهم وأشعارهم، مذكرا إيانا بقول ابن الفارض الذي يتحدث من خلاله عن الله قائلا:
تـراه إن غاب عـني كــل جارحـا ** فــي كــل معنى لطيف رائق بَهِجِ
في نغمة العـود والناي الرخيم إذا ** تألقــا بيــن ألحــان مــن الهـــزج
وفي مسارح غزلان الخمائل فيها ** برد الأصائل والإصباح في البلج
إنها لحظة الرجاء في الوصال والاتصال، والسبيل إلى ذلك: ضرورة سلوك الطريق، متحديا العوائق المادية الشهوانية، من أجل إدراك الكثير من الحقائق عن طريق الحي فيه وهو الروح، مبعدا إياها عن صنمية الجسد ومواته، وتلك المعرفة لا تتأتى إلا للصوفي الذي قذف الله في قلبه نورا يسمى إشراقا أو إلهاما أو حدسا... فشكرا للشيخ الكبير أحمد بدناوي على هذا البهاء وهذا العمق المضموني الغير متيسر، وسيبقى دائما ــ كما قال في ختام بوحه ــ فوق الصهوة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القاموس:
1/ امرمة: يطلقها أهل الملحون المغربي على البحر العروضي الذي تنظم فيه القصيدة.
2/ لمبيت: يطلق أهل الملحون هذه التسمية على شعر الملحون الموزون.
3/ القياس: وهو الوزن الغنائي الذي تؤدى فيه القصيدة الملحونة.
4/ الجيلالي امتيرد: هو شاعر من شعراء الملحون المغربي عاش في القرن الثاني عشر الهجري، واسمه عبد الجليل بن عبد الله، ينحدر من الصحراء المغربية.
5/ سويرحات: أبيات تعتبر مقدمة للقســم تكــون في وزن وقافية مغايرتيــن لوزن أبيات القسم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://malhoun.yoo7.com
 
قصيدة: "بَــــــــلّارْجْ"* نظم: الشيخ أحمد بدناوي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
تــــــراث الملحــــــون :: منتدبـــــات الملحــــون :: قصائـــــــــد مقـــــروءة-
انتقل الى: